تقرير اقتصادي: عدوى ضعف الشفافية تصيب استثمارات مؤسسة البترول

الجريدة الكويتية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ

فتح إعلان شركة الكيماويات البترولية التابعة لمؤسسة البترول الكويتية استحواذها على نسبة 25 في المئة في مجموعة من المصانع البتروكيماوية الواقعة في منطقة يانتاي بالصين التابعة لمجموعة وانهوا كميكال الصينية الباب لتساؤلات حول تدني مستوى شفافية الصفقات الكبرى في القطاع النفطي لينسجم مع تدنٍ مماثل لدرجة شفافية الاستثمارات السيادية... وكلاهما أي النفط والاستثمارات السيادية أساس ثروة الكويت الطبيعية والمالية.

ومع التأكيد على أن تقييم جودة أي صفقة وكفاءتها حتى وسط تنامي حالة الضبابية وعدم اليقين في الاقتصاد العالمي كتداعيات للحرب التجارية التي تشنّها الولايات المتحدة على مختلف دول العالم مع تركيز واضح على الصين أو مع تقليص أعمال البتروكيماويات في آسيا وأوروبا هي عملية ومسؤولية مرتبطة بالمعلومات المتاحة للمطلعين من متخذي القرار، علاوة على توصيات الجهات الاستشارية المالية والقانونية، بالتالي يصعب الخوض فيها إعلامياً على الأقل، مما يجعل الحديث عن شفافية الصفقة مسألة منفصلة عن تقييم جودتها لكن لا تقل أهمية عنها.

تحمل المسؤوليات

لذلك كان لافتاً أن الإعلان عن قيمة صفقة استحواذ شركة الكيماويات البترولية على نسبة 25 في المئة من مصانع وانهوا كميكال البالغ 638 مليون دولار من الشركة الصينية كونها شركة مدرجة في بورصة شنغهاي، وليس من الجانب الكويتي، مما يطرح تساؤلات حول مدى قدرة أو رغبة المؤسسات المديرة لثروات الكويت السيادية في تحمّل مسؤوليات صحة الأرقام ودقة المعلومات الأساسية، ومدى تقبّل تلقي التقييمات الخارجية من الأطراف المستقلة، خصوصاً أن الاستثمار في مصانع وانهوا كميكال تعتبر، حسبما قالت شركة الكيماويات البترولية، أكبر استثمار كويتي في قطاع البتروكيماويات داخل الصين.

وهذه ليست المرة الأولى التي تنفذ فيها شركات القطاع النفطي صفقات خارجية دون الكشف قيمتها ناهيك عن بياناتها المالية، فلدى شركة الكيماويات البترولية وزميلتها البترول الكويتية العالمية «كوفبيك» وكلاهما تابعتان لمؤسسة البترول الكويتية صفقات سابقة كاستحواذ الكيماويات البترولية على 49 في المئة من مصانع «إس كي سي» الكورية واستحواذ «كوفبيك» على حصة%50 من شركة إيكوفوكس الإيطالية، وغالباً ما يكون نصيب الشفافية في صفقات القطاع النفطي محدوداً بشكل لافت كأنها أصيبت بعدوى ضعف الشفافية في استثمارات الكويت السيادية.

الشفافية ترسي قواعد مهنية لإدارة الثروات ككفاءة الأداء ومقارنة العوائد مع الجهات المماثلة

ليس تشكيكاً

فالدعوة لشفافية البيانات المالية وأقلها سعر الاستحواذ ليس تشكيكاً أو طعناً بذمم المسؤولين في القطاع النفطي أو أي قطاع آخر يتولى مسؤولية إدارة صناديق الثروات السيادية كالهيئة العامة للاستثمار أو شبه السيادية كالتأمينات الاجتماعية، بل دعوة لإرساء قواعد مهنية في عمل يتعلق بثروات الكويت الطبيعية والمالية في وقت تتركز فيه اختصاصات التنفيذ والتشريع والرقابة بيد مجلس الوزراء بشكل مطلق مع تقييد جانب مهم من هامش عمل ديوان المحاسبة، وكلا الأمرين يزيدان أعباء الحوكمة، مما يجعل نشر البيانات المالية - وبعضها معلن من الطرف الآخر في الصفقة - أمراً ضرورياً على الأقل لمنح جهات الأبحاث والاستشارات المحلية أو الدولية أو حتى الأكاديمية دوراً في إبداء رأي مستقل حول كفاءة الصفقة ومدى ملاءمتها لظروف القطاع أو السوق أو الاقتصاد بوجه عام.

توقعات حذرة

ومع التأكيد على عدم إمكانية الاطلاع على تفاصيل صفقة شراء الكيماويات البترولية لـ 25 في المئة في مجموعة من المصانع البتروكيماوية التابعة لمجموعة وانهوا كميكال الصينية فمن المفيد الإشارة إلى بعض التوقعات الحذرة أو المتريثة تجاه صناعة البتروكيماويات في العالم وتحديداً أوروبا وآسيا الذي عبرت عنه شركة الاستشارات وود ماكنزي الصيف الماضي من أن حوالي 24 في المئة من الطاقة العالمية للبتروكيماويات معرضة لخطر الإغلاق الدائم بحلول عام 2028 متوقعة أن يستمر الانحدار الحالي فترة أطول من 7 سنوات بسبب تراكم الطاقة فترات طويلة، خصوصاً في الصين.

وهذا ما انعكس على أعمال العديد من مشاريع البتروكيماويات كإعلان شركة إكسون موبيل للكيماويات أنها ستغلق وحدة التكسير والإنتاج الكيميائي في جرافينشون الفرنسية أو تقليص شركة البتروكيماويات التايوانية فورموزا أعمالها في وحدات تكسيرالنافثا من ثلاث إلى واحدة فقط بسبب ضعف الطلب والهوامش غير الصحية، مشيرة إلى أنها لا تتطلع إلى القيام بأي استثمارات جديدة في الأمد القريب بسبب ظروف السوق الصعبة أو إعادة هيكلة أنشطة شركة ميتسوي كيميكالز اليابانية عبر إغلاق أو تقليص أو تصفية مصانعها، كما باعت شركة شل أصولها في مجال التكرير والبتروكيماويات في سنغافورة.

وكانت «داو كميكال» الأميركية أعلنت بداية العام الحالي أنها تعتزم تقليص الإنتاج، في حين أشارت «باسف» الألمانية إلى أن القوة الدافعة للأرباح تراجعت بشكل كبير في قطاع المنتجات الكيماوية خلال الربع الماضي.

أجيال وتأمينات

لذلك فإن الشفافية المطلوبة بصفقة الكويت في مصانع وانهوا كميكال الصينية هي شفافية ضرورية ومستحقة كي لا تكون هناك ثمة احتمالات أن الصفقة تأتي في سياق ما سبق ذكره أعلاه من تخلص بعض الشركات في آسيا وأوروبا من أصولها وإغلاق مصانعها القديمة وإعادة هيكلة مرافقها.

استثمارات الكويت النفطية تعرضت خلال سنوات ماضية لخسائر وتعثر في صفقات دولية كمصفاة فيتنام وغيرها

في المقابل، لا بد أن يلقى الحديث عن استثمارات القطاع النفطي وشفافيتها الضوء على استثمارات الكويت السيادية أي صندوق احتياطي الأجيال «الهيئة العامة للاستثمار» وشبه السيادية أي أموال المشتركين والمتقاعدين في التأمينات الاجتماعية، خصوصاً بعد أن أعلن الأسبوع الجاري الصندوق السيادي النرويجي الأكبر في العالم بإجمالي ثروات مقدرة بـ 1.7 تريليون دولار عن خسارة في الربع الأول من العام الحالي بلغت 40 مليار دولار بسبب ما قال إنه «تقلب أسواق المال» حتى قبل عاصفة الرسوم الجمركية على البورصات العالمية، بالتالي فمن المنطقي التساؤل عن آثار هذه التقلبات والتحولات على الأصول السيادية وشبه السيادية للكويت.

ولعله من المفيد الإشارة إلى أن الهيئة العامة للاستثمار ومؤسسة التأمينات الاجتماعية تبديان قدراً معيناً من الشفافية الانتقائية وليس المنهجية في حالات الرواج في الأسواق المالية إذ إن آخر إعلان عن أداء صندوق احتياطي الأجيال، عندما قالت الهيئة العامة للاستثمار في عام 2022 أنها حققت في العام السابق نمواً في قيمة الصندوق بنسبة 33 في المئة ولم تصدر أي بيان رسمي عن أي أداء مالي للصندوق بعدها كذلك أعلنت «التأمينات أنها حققت ربحاً استثمارياً بلغ 6.3 مليارات دينار حتى الفترة المنتهية في 31 مارس 2021 ولم تصدر بعدها أيضاً أي بيان عن أدائها».

«السيادي النرويجي» أعلن خسارة فصلية بـ 40 مليار دولار بسبب تقلبات الأسواق فما أثرها على استثمارات الكويت؟

ذكريات وتقييم وجودة

وللشفافية ومعايير الحوكمة فوائد عديدة أولها ألا تتيح البيئة التي تكرر ذكريات الكويت الأليمة في سرقة ثرواتها مع النفط والاستثمارات في ثمانينيات القرن الماضي كما تكررت مع التأمينات قبل نحو 12 عاماً أو كما تعرضت استثمارات الكويت النفطية خلال السنوات الماضية لخسائر وتعثر في العديد من الصفقات الدولية مثل مصفاة فيتنام أو مشروع البولي بروبيلين في كندا أو اكتشاف مخالفات في مشروع استثمار حقلي «ألما وغالية» في بحر الشمال ناهيك عن أن الشفافية تعطي مجالاً لتقييم كفاءة الأداء وعدالة التقييم وجودة القرار الاستثماري ناهيك عن مقارنة العوائد والنتائج مع الجهات أو الصناديق أو القطاعات المماثلة وهذه أبسط متطلبات إدارة ثروات البلاد في زمن عاصف تتصدر عناوينه حروب ترامب التجارية.

0 تعليق